من غسان عبد الحميد- إذا ما تصادف وتمكنت من الوصول إلى أبعد مسافة جنوب شرقي الضفة وشاهدت تجمعا من عرائش الخيش وفقط، 3 حجرات من الطوب مسقوفة أيضا بالخيش و تستخدم مدرسة، كما سقيفة حجرية في محاذاتها برج حديدي تعلوه مكبرات صوتية و تستخدم مسجدا – إذا ما تمكنت من ذلك ثم شارفت على صحراء النقب ؛ فاعلم أنك في خربة اسمها "جنبا" ...
في "جنبا" البعيدة نحو 20 كم جنوب شرقي بلدة يطا، حيث تعيش 31 عائلة بداوة قاسية قّلما وجدت هذه الأيام، لا شي مسموح تقريبا لمساعدة نحو270 على الإقتراب من نمط حياة أقل صعوبة، ذلك أن قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تحول المنطقة و محيطها إلى ميدان لتدريب جنودها على الرماية، تسمح للمواطنين.. فقط، بالتزود بالمياه عبر صهاريج محمولة ( المياه في جنبا قد تكون الأغلى في العالم ! ) وأيضا بإحضار الطعام إلى أطفالهم ؛ مع مراعاة أن مهمات من هذا النوع خاضعة لتدابير تقررها هي؛ بحسب "التعليمات الأمنية" !
قال المواطن عثمان جبارين المقيم في خربة جنبا، أن قسوة الحياة التي تكابدها عائلته كما 30 عائلة أخرى تعتمد في عيشها على اقتناء الأغنام و زارعة أراضيها بالمحاصيل الشتوية، سيما تلك التي تساعد في توفير كميات من الأعلاف، هي في الواقع "إنتاج إسرائيلي بنسبة مئة بالمئة"، مشيرا إلى أن سلطات الإحتلال تمنع الأهالي من البناء و من حفر آبار جديدة لتجميع المياه، وأيضا من إعادة تأهيل الطريق الترابية الوعرة التي تصلها بخربة "الفخيت"، وهي الطريق الوحيدة المسموح سلوكها للوصول إلى الخربة.
المواطن جبارين منسق اللجنة الأهلية بمنطقة "مسافر يطا" التي تضم نحو 15 تجمعا سكانيا تعيش البداوة ذاتها، وخاضعة لنفس التدابير "الأمنية" التي تطبقها قوات الإحتلال بزعم أن المنطقة مخصصة للتدريبات العسكرية، قال لـ "القدس دوت كوم" أن 8 من التجمعات، بينها "جنبا"، مهددة بالترحيل و تحيا تحت وطأة التهديدات في الليل و النهار، سواء من قبل نزلاء المستوطنات الإسرائيلية السبع المقامة بالمنطقة ( معون، كرمئيل، "متسبي يائير"، أفغايل، "حفات معون"، سوسيا، و "متسودات يهودا" ) أو بفعل الانتهاكات المختلفة التي تنفذها سلطات الاحتلال من خلال الهدم و إغلاق الطرق و حتى إطلاق أيدي المستوطنين في ارتكاب الاعتداءات على المواطنين و ممتلكاتهم، وهي اعتداءات تشمل ملاحقة الرعاة و ضربهم بغرض منعهم من التواجد في مساحات واسعة مستهدفة بالسيطرة.
حتى قبل يومين، شملت انتهاكات قوات الإحتلال التي ترمي إلى "تحويل حياة أهالي خربة جنبا إلى جحيم" – شملت إغلاق الطريق المؤدية إليها بأكوام من الصخور الثقيلة، واحتجاز معلمي المدرسة التي تضم 35 طفلا و طفلة لساعات طويلة تسببت في عرقلة اليوم الدراسي، فيما يقدر المواطن جبارين أن القيود التي يفرضها جيش الإحتلال لجعل الحياة أكثر قسوة في "جنبا"، قد تتزايد وتشمل "ممنوعات جديدة" .
قال المعلم راتب الجبور، وهو أحد 8 معلمين يتناوبون على تدريس التلاميذ في خربتي "جنبا" و "الفخيت" التي تبعد عنها نحو 7 كم إلى الشمال الشرقي – قال أن احتجازه و زملاءه بهدف تأخيرهم عن موعد الدوام المدرسي ( يوم الأحد 16 أيلول الجاري ) تم للمرة الرابعة منذ بداية العام الدراسي الجديد، موضحا أن رحلة الإياب و الذهاب من وإلى المدرستين، "غدت نوعا من التعذيب" جراء عمليات الاحتجاز المتكررة تحت الشمس .
!
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]احتجاز المعلمين أثناء ذهابهم إلى "جنبا" بذريعة "التفتيش" و "التدقيق في البطاقات الشخصية"، لا تمثل في الواقع – كما أشار المعلم الجبور – سوى "عينة نموذجية" من جملة الإجراءات التي يطبقها جيش الإحتلال لـ"تطفيش" المواطنين عن أراضيهم في جنبا و 7 خرب أخرى ( بينها الفخيت و المركز و حلاوة و اصفي ) بذريعة أنها متواجدة في منطقة تدريبات عسكرية، موضحا أن الأطفال في "مدرسة جنبا" التي تبعد نحو 500 مترا عن موقع للتدريب يستخدمه جيش الإحتلال، يتلقون دروسهم تحت أصوات الرصاص و هدير محركات طائرات الهيلوكبتر التي تحلق على ارتفاع منخفض، فيما يتقصد جنود "داورية الهامر" المتجولة في محيط الخربة على الحضور بصورة شبه يومية أمام حجرات المدرسة؛ ما يتسبب في أرباك الحصص المدرسية.
باختصار، كما فضل المواطن عثمان جبارين وهو يشرح معنى أن تعيش مهددا 24 ساعة في اليوم، لا وقت خارج الإنتهاكات المثيرة للأعصاب بالنسبة لمواطني "جنبا"، بمختلف أعمارهم، بما في تلك الإنتهاكات مباغتة مساكن الخيش ليلا و إجبار العائلات على الخروج إلى العراء، باعتبار ذلك "بندا ثابتا" و واجب التطبيق بين حين وآخر؛ بذريعة التفتيش عن مواد ممنوعة !